حروف الجر المشتركة (ما استعمل منها: اسمًا، أو فعلاً، أو كليهما)
الحرف عنصر مهم في العربية؛ إذْ تنبني عليه كثير من المعاني؛ ولذا تصدّى له العلماء بالتأليف، إمّا في مصنفاتهم، كما فعل سيبويه في الكتاب، أو ابن السّرّاج في الأصول، وإمّا في مصنفات مستقلّة، مثل كتاب حروف المعاني للزجاجي، والجنى الداني في حروف المعاني للمرادي.
وقد قسّمت الحروف إلى ثلاثة أقسام منها: حروف المعاني، وهي التي تجيء مع الأسماء والأفعال لمعانٍ. وهذا القسم هو الذي تناوله العلماء بالحديث والبسط؛ نظرًا لأهميته. وحروف المعاني كثيرة، منها: حروف العطف، وحروف النفي، و حروف الجر… وغيرها. وحروف الجر هي التي يدور حولَهَا موضوع الدراسة؛ نظرًا لأهميتها، فهي تقوم بدور مهم، وهو الوصل بين الكلام.
يقول سيبويه: ” الكلم: اسم، وفعلٌ، وحرفٌ جاء لمعنى، ليس باسمٍ ولا فعل “.
فالحرف عنصر مهم في العربية؛ إذْ تنبني عليه كثير من المعاني؛ ولذا تصدّى له العلماء بالتأليف، إمّا في مصنفاتهم، وذلك من خلال عقد أبواب أو فصول تتناول الحروف، كما فعل أئمة النحاة مثل: سيبويه والمبرد وابن الحاجب وغيرهم من العلماء، وإمّا في مصنفات مستقلّة، كما فعل الزجاجي ، والرماني ، والهروي ، والمالقي ، والمرادي .
يقول المرادي : ” لما كانت مقاصد كلام العرب، على اختلاف صنوفه، مبنيًّا أكثرها على معاني حروفه، صُرِفَتِ الهمم إلى تحصيلها، ومعرفة جملتها وتفصيلها “.
ويقسّم الزجّاجي الحروف إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: حروف المعجم، وهي أصوات غير متوافقة، ولا تدل على معنى من معاني الأسماء والأفعال، لكنها أصل تركيبها.
القسم الثاني: الحروف التي هي أبعاض الكلم، مثل العين من جعفر، والضاد من ضرب.
القسم الثالث: حروف المعاني، وهي التي تجيء مع الأسماء والأفعال لمعانٍ.
وقد عرّف حروف المعاني بقوله: الحرف: ما دلّ على معنى في غيره
والقسم الثالث هو الذي تناوله العلماء بالحديث والبسط؛ نظرًا لأهميته. يقول المالقي .
” فإنّ لسان العرب لما كان أشرف الألسنة… وكان مقسّمًا إلى تقسيمه المعروف، من الأسماء والأفعال والحروف، وكانت الحروف أكثر دورًا، ومعاني معظمها أشد غورًا، وتركيب أكثر الكلام عليها، ورجوعه في فوائده إليها، اقتضى ما خطر من النظر أن أبحث عن معانيها، وأطالع غرض الواضعين فيها… “.
وحروف المعاني كثيرة، منها: حروف العطف، وحروف النفي، وحرف الاستثناء، وأل التعريف، والسين، وسوف، وحروف الجر… وغيرها كثير.
وحروف الجر هي التي يدور حولَهَا موضوع الدراسة؛ نظرًا لأهميتها، فهي تقوم بدور مهم، وهو الوصل بين الكلام.
حروف الجر المشتركة اسمًا وفعلاً: (عَلَى، حاشا)
من حروف الجر المشتركة التي استعملت اسمًا وفعلاً: (عَلَى وحاشَا)، وتفصيل ذلك على النحو الآتي:
أولاً: حرف الجر: (على)
هذا الحرف له معانٍ كثيرة أهمها الاستعلاء، بل إنّه لم يُثْبِتْ له أكثر البصريين غير هذا المعنى ، وقد خرجت عن الحرفية، واستعملت اسمًا، وفعلاً على النحو الآتي:
استعمال (على) اسمًا:
اختلف العلمـاء في استعمال (على) اسمًا على خمسة مذاهب:
طالع ايضا : حوالة الحق وآثارها في الفقه الإسلام و القانون المدني الكويتي
المذهب الأول: مذهب البصريين
وهو أن يكون اسمًا في موضعٍ واحد، وهو إذا دخل عليه حرف الجر (من)
وعلى هذا المذهب يقول سيبويه : “ويدلك على أنه اسم: قول بعض العرب: (نهض من عليه)”.
ومنه قول الشاعر :
غَدَتْ من عليهِ، بعد ماتمّ ظمؤها تصلُّ، وعن قيضٍ بزيزاءَ مَجْهَلِ
فـ (على) في هذا البيت (اسم) بمعنى فوق، وَغَدَت من عليه، أي: من فوقِهِ ، فدخول (من) عليها دليل على أنها اسم؛ لأنّ حرف الجر لا يدخل على حرف جرٍّ آخر حتى يكون موافقًا له في لفظه، أو في معناه، و(من) ليست من لفظ (على)، ولا في معناها .
المذهب الثاني: مذهب الأخفش
حيث زعم أنّ من مواضع اسميّة (على): إذا كان مجرورها، وفاعل متعلقها ضميرين لمسمّى واحد.
ووافقه ابن عصفور ، ومنه قوله تعالى : ] أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ[ ولم يقل: أمسك على نفسك زوجك، وبقول العرب: (سوّيتُ عليّ ثيابي)، ولا يجوز فرحتُ بي، إنّما تقول: (فرحتُ بنفسي)؛ ومعنى (سوّيتُ عليّ ثيابي): (سوّيتُ فوق ثيابي). وأورد على ذلك قول الشاعر :
هوِّن عَلَيْـــكَ فَــــــــإِنَّ الأُمُورَ بِكَفِّ الإلــــــــهِ مقـــــاديرُهَــــا
لأنها لو جُعلتْ حرفًا؛ لأدى إلى تعدي فعل المخاطب إلى ضميره المتصل، وذلك لا يجوز إلا في أفعال القلوب.
وقد ردّ بعض العلماء على مذهب الأخفش، ومنهم أبو حيّانوابن هشام .
المذهب الثالث: مذهب المبرّد
ومن وافقه، وهو أنّ (على) الحرفيّة تكون اسمًا وتكون فعلاً، وذلك على سبيل الاشتراك اللفظي؛ لأنّ الحرف لا يُشتق منه؛ وكل واحدٍ من الثلاثة مغايرٌ لصاحبه. يقول أبو العباس المبرّد : ” وقد يكون اللفظ واحدًا ويدلُّ على اسم وفعل، نحو قولك: زيدٌ على الجبلِ يا فتى، وزيدٌ علا الجبلَ، فيكون (علا) فعلاً، ويكون حرفًا خافضًا، والمعنى قريب”. ونبّه على هذا المذهب ابن يعيش، حيث يقول ” فأمّا التي هي اسمٌ، فمختلَفٌ فيها، فذهب أبو العبّاس وجماعةٌ أنها على الاشتراك اللفظيّ فقط؛ لأن الحرف لا يُشتقّ، ولا يُشتقّ منه، فكلُّ واحد من الثلاثة مُبايِنٌ لصاحبه”.
المذهب الرابع: أنّ (على) تكون اسمًا دائمًا
على كل وضع، ولا تكونُ حرفًا، وهو مذهب أبي علي الفارسي، وابن طاهر، وابن خروف، وابن الطراوة، ومن وافقهم من العلماء .
وقد زعموا أنّ هذا مذهب سيبويه ، لقوله في باب: (عدة ما يكون عليه الكلم) فهو اسمٌ، ولا يكون إلاّ ظرفًا ، وفي زعمهم هذا نظر؛ لأنّ سيبويه صرح بحرفيّة (على) عند حديثه عن الفاعل الذي يتعداه فعله إلى مفعولين، إذْ يقول :
“… فلمَّا حذفوا حرَف الجر عَمِلَ الفعلُ. ومثل ذلك قول المتلمَّس
آلْيتَ حَبَّ العِرَاقِ الدَّهْرَ أَطعمُهُ… والحبُّ يأكلُهُ في القريةِ السُّوسُ
يريد: على حَبَّ العراق… “. فهو هنا يصرّح بحرفيتها .
ثانيًا: حرف الجر: (حاشا)
حرف الجر (حاشا) معناه (الاستثناء) وهو من حروف الجر التي خرجت عن الحرفية، واستعملت اسمًا وفعلاً، وذلك على النحو الآتي:
استخدام (حاشا) اسمًا
في اسميّة (حاشا) رأيان:
الأول: أنها اسم ينتصب انتصاب المصدر الواقع بدلاً من اللفظ بالفعل، فقول (حاشا لله) مرادف للتنزيه، كأنه قال: (تنزيهًا لله) . وهو الظاهر من قول الزجاج ، وصححه ابن مالك . وقال به الرضي، وأبو حيان، وابن هشام، وابن عقيل، والسيوطي، وغيرهم
وعليه قراءة أبي السمال : (حاشًا لله)، بالتنوين، أي: تنزيهًا لله وبراءة.
وقراءة ابن مسعود: (حاشا اللهِ) بالإضافة كـ (معاذ الله) و(سبحان الله)
يقول الفرّاء : ” وَفِي قراءة عبد الله (حَاشَا لِلَّهِ) بالألف، وهو فِي معنى مَعَاذَ الله”.
ويقول الزمخشري : ” فمعنى «حاشا الله» براءة الله وتنزيه الله، وهي قراءة ابن مسعود، على إضافة حاشا إلى الله إضافة البراءة. ومن قرأ: “حاشا لله” فنحو قولك: سقيا لك، كأنه قال: براءة، ثم قال: لله، لبيان من يبرأ وينزه، والدليل على تنزيل «حاشا» منزلة المصدر: قراءة أبى السمال: حاشَ لِلَّهِ، بالتنوين”.
وترك التنوين في قراءة الجمهور؛ لأنها مبنية لشبهها بـ(حاشا) الحرفية لفظا ومعنى ، فَجَرَتْ في البناء مجراها، كما أجرى (عن) في قول الشاعر
ولقد أراني للرماح دريئةً من عن يميني تارةً وأمامي
مجرى (عن) في: رويتُ عنه
الثاني: أنها (اسم فعل) بمعنى (أتبرأ) أو (تبرأت)، أو برئت، ذكر ذلك ابن الحاجب، وابن هشام، والسيوط .
يقول ابن الحاجب :
” وأما قوله: (حَاشَ لله) إلى آخره، ففسره بمصدر، والأولى أن يقال: إنه اسم من أسماء الأفعال، كأنه بمعنى: (برئ الله من السوء)… ولذلك نصب (براءةً)، ولا يُنصب إلا بفعل مقدّر، فكان المعنى: (برئ الله)… وإذا فسّر بالفعل فهو: (اسم فعل) “.
ويرجح الباحث الرأي الأول القائل بأنها اسم مصدر؛ وهو رأي الجمهور؛ إذْ يرى الباحث أن الرأي الآخر ضعيف، فقول ابن الحاجب السابق (ولا يُنصب إلا بفعل مقدّر، فكان المعنى: (برئ الله)… وإذا فسِّر بالفعل فهو اسم فعل) فليس على إطلاقه، فالمصدر المنصوب نحو: (صبرًا زيدًا) ينصب بفعل مقدّر، وهو ليس بـ(اسم فعل)، مع أنه منصوب بفعلٍ مقدر تقديره: اصبر صبرا، وإنما هو (مصدر)، وذكر ابن هشام كذلك أن الذي حمله على القول بأنها (اسم فعل) هو بناؤها؛ لكن يرد ذلك إعرابها في بعض اللغات
استعمال (حاشا) فعلاً:
اختلف النحاة في فعلية (حاشا) على مذهبين:
المذهب الأول: مذهب الكوفيين ، ووافقهم المبرّد ، وغيره من العلماء، وهو أن (حاشا) تستعمل فعلاً، واستدلوا على ذلك بأمور منها:
الأول: أنها تتصرف، والتصرف من خصائص الأفعال ، قال الشاعر :
ولا أَرَى فَاعِلاً في النّاسِ يُشبههُ ولا أُحَاشِي مِنَ الأقوامِ مِنْ أَحَدِ
الثاني: أنه يدخلها الحذف، والحذف كذلك من خصائص الأفعال ومنه قراءة: (حاشَ لله) بحذف الألف في (حاشا
الثالث: أنّ لام الجر تتعلق به، وحرف الجر إنما يتعلق بالفعل؛ لأنّ الحرف لا يتعلق بالحرف، ومنه قوله تعالى : (حَاشَ للهِ مَا هَذا بَشَرًا).
وقد سُمع قول بعضهم: ” اللهم اغفرْ لي ولمن سمعني، حاشا الشيطان وأبا الأصبغ”.
وتتعيّن فعليّة (حاشا) عند المبرّد إذا وليته اللام نحو: (حاشا لزيدٍ) ؛ إذْ لا يدخل حرف الجر على حرف الجر
ومن نحاة المذهب: الكسائي، والفرّاء، والأخفش، والجرمي، والمازني، والزجاج، وابن جني، وغيرهم .
ويرى الفراء أنها فعل أبدًا لتصرفها ، وأنه لا فاعل لـ (حاشا).
طالع ايضا : أكبر مكتبة في العالم لتحميل الكتب مجانا بصيغة PDF